التاريخُ لَيس مجموعةً مِن الشظايا المتناثرة في العلاقات الاجتماعية، وإنَّما هو نظامٌ وُجودي يَشتمل على مركزية الزمن في الذات والآخَر، ومُمَارَسَةٌ واعيةٌ تَحتوي على فلسفة النشاط الإنساني، ومجالٌ ثقافيٌّ مفتوح على الروابط بين تأثيرات السُّلطة وإنتاجات المعرفة وإفرازات اللغة. والنظامُ الوجودي ليس انعكاسًا للتاريخ الذي يحتاج إلى تحليل، أوْ رَدَّةَ فِعل لمصادر المعرفة التي تحتاج إلى اكتشاف. إنَّ النظام الوجودي هو الفِعلُ الاجتماعي المُستمر الذي يَدفع اللغةَ إلى تحرير الواقع مِن هَيمنة الأحلام الضائعة، التي لَم تستطع التوفيقَ بَين الوَعْي والمصلحة في ظِل المنظومة الحضارية القائمة على توليد التاريخ وإنتاج المعرفة. ووظيفةُ الحضارةِ لَيْسَتْ مُمارسةَ الهيمنة المنهجية على الأحداث اليومية، وإنَّما مُساءلة الأنساق الفكرية التي أنتجتْ هذه الأحداثَ، وجَعَلَتْهَا كِيَانًا مُتَشَظِّيًا في الطبيعة الزمنية والبيئة المكانية، وأكْسَبَتْهَا صِفَةَ الدَّيمومة والاستمرارية. وإذا كان مفهومُ التاريخ يَقُودنا إلى ماهيَّة النظام، فإنَّ ماهيَّة النظام تَقُودنا إلى آلِيَّات صناعة الواقع، وانعكاساته على فلسفة المنهج الاجتماعي المُرتبط بالحاضر، باعتباره فضاءً إبداعيًّا لا فِكرةً تائهة في الخَيَال.
الوَعْيُ بالتاريخ يُمثِّل تاريخًا جديدًا
التاريخ يتشكَّل في أعماق الفرد
الفرد والمجتمع فَقَدَا القُدرةَ على معرفة حُدود البناء الاجتماعي
إذا أصبحَ التاريخُ زمنًا مُتَجَمِّدًا، أوْ فِكرةً مُحَنَّطَةً، فهذا يعني أنَّ الفرد والمجتمع فَقَدَا القُدرةَ على معرفة حُدود البناء الاجتماعي، وعَجَزَا عَن تَتَبُّع آثار العقل الجَمْعي في البُنى الوظيفية المُسيطرة على الأحداث اليومية والسلوك الإنساني، وهذا يُؤَدِّي إلى فَصْلِ الحقيقة الاجتماعية عن الرمزية اللغوية، وتَحَوُّلِ الواقع إلى عِبْء ثقيل على كاهل الفرد، وبالتالي، يَفقد المجتمعُ معاييرَه الأخلاقية، ويُصبح غير قادر على تحقيق شُروط وجود المَعنى في المراحلِ التاريخية والظواهرِ الثقافية، وهذا يَجعل اللامَعنى هو الهُوِيَّةَ الوُجوديةَ المُتَجَسِّدَةَ في الفِعل الاجتماعي العاجز عن التغيير. وحُضُورُ اللامَعنى هو غِيابُ التجانس في العلاقات الاجتماعية، واختفاءُ القُدرة على تفسير الأنساق اللغوية الكامنة في تفاصيل المجتمع، مِمَّا يَدفع الفردَ إلى الشُّعورِ بالاغتراب، والعَجْزِ عن حَمْلِ تُراث الجَمَاعة التي ينتمي إلَيها، وعدم القُدرة على تحقيقِ أحلامها، ونقلِ هُويتها مِن الحاضر إلى المُستقبل. لذلك، ينبغي على الفرد أن يَتَّخِذ مِن اللغة سلاحًا لحمايةِ المَعنى مِن الانكسار، وحِراسةِ التاريخ مِن الانهيار.
اكتشاف المزيد من ديوان العرب
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.